تبني تراث القهوة الغني في المملكة العربية السعودية: من التقاليد إلى الاستدامة التعرف على ثقافة القهوة في المملكة العربية السعودية: الجمع بين التقاليد والابتكار

تحتل القهوة مكانة خاصة في المملكة العربية السعودية باعتبارها رمزًا للضيافة والتواصل الاجتماعي، وتتكون القهوة السعودية من حبوب الأرابيكا المحمصة بعض الشيء بالإضافة لمجموعة من التوابل التي تكسبها مذاقًا خاصًا مثل الهيل أو الزعفران أو القرنفل، وغالبًا ما تقدم القهوة السعودية مع التمر والحلوى. وتجسد القهوة في المملكة الشعور بالدفء والكرم، ولا سيما عند تقديمها في المناسبات العائلية أو الاجتماعية.

وفي السنوات الأخيرة، تبنت المملكة العربية السعودية التوجهات المتخصصة في عالم القهوة، وزاد اهتمامها بحبوب القهوة عالية الجودة، وطرق التخمير والتصنيع الفعالة والاحترافية. وبصفة عامة، يزدهر إنتاج القهوة في أربع مناطق رئيسية في المملكة هي: عسير، وجازان، والباحة، ونجران التي انضمت إليها مؤخرًا، ولذلك بسبب توفر الظروف المناسبة لزراعة حبوب القهوة. وتسهم هذه المناطق بدور كبير في تطوير صناعة القهوة في المملكة، مع تركيزها المستمر على تعزيز الجودة والاستدامة والترويج لأنواع القهوة المحلية باعتبارها البديل الأفضل مقارنة بغير من الأنواع المستوردة، وذلك سعيًا لدعم المزارعين في المملكة ورفع مستوى الوعي بين المستهلكين السعوديين حول أهمية شراء المنتجات الوطنية وتحقيق أحد الأهداف الرئيسية لمنظمة سلو فوود، وهو الحفاظ على أكثر من 80 نوعًا من أنواع القهوة التي تُزرع في المملكة منذ أكثر من 400 عامًا، الأمر الذي يعكس تراث القهوة الغني في البلاد  وثقافتها الأصيلة.

وانطلاقًا من هذه الغاية، شرع تحالف القهوة في منظمة سلو فوود في وضع خطة انتقالية لتعزيز الاحتفاء بتراث القهوة الغني في البلاد والحفاظ على استدامته من خلال التعاون مع المنتجين والمجتمعات المحلية وهيئة فنون الطهي على وجه الخصوص.

هنا ستتعرف أكثر على ثقافة القهوة الغنية في المملكة وآخر أنشطة تحالف القهوة في تعزيز الممارسات المستدامة وتعزيز المشاركة المجتمعية، كما ستعرف المزيد عن ندوة فنون الطهي وسياحة الطعام التي أقامتها المملكة في أبها، والتي سلطت الضوء على دور تحاف القهوة الحيوي في رسم ملامح مستقبل القهوة السعودية.

زراعة البن في منطقة عسير

تقع عسير في المنطقة الجنوبية الغربية من المملكة، وتشتهر بإنتاج القهوة، فهناك على مرتفعاتها الشامخة ومناخها البارد، يزدهر نبات القهوة وسط المناظر الطبيعية والثقافية الخلابة المنطقة.

تُزرع القهوة وغيرها من المحاصيل الأخرى على جبل السودة في مزارع على شكل مدرجات يصل ارتفاعها إلى نحو 2700 متر فوق مستوى سطح البحر، وهي مزارع فريدة من نوعها في حزام القهوة السعودي. وفي هذه المناطق الجبلية، حيث توارث منتجو القهوة ارتباطهم بالأصناف المحلية لأجيال عديدة، يتم استهلاك القهوة بدون توابل. وعلى الرغم من أن بعض نباتات القهوة في المنطقة يرجع عمرها لما بين 50 إلى 80 عامًا، إلا إنها تتمتع بمرونة كبيرة في مواجهة التغيرات المناخية والتكيف معها، مما يجعلها قادرة على الإثمار حتى يومنا هذا.

على مدار العامين الماضيين، عملت وزارة البيئة والمياه والزراعة على الترويج لمبادرة بنك البذور، وهي مبادرة تهدف في المقام الأول إلى جمع أصناف المحاصيل المحلية وتحليلها لمعرفة قدرتها على التكيف مع البيئة والمناخ المحلي. ومن خلال التعاون مع الناشطين في المجتمع العلمي المعني بزراعة القهوة في المملكة، ستعمل هذه المبادرة على تعزيز معرفتنا بمرونة نباتات البن وقدرتها على التكيف ومواجهة الجفاف والصقيع وغيرها من الظروف المناخية في المرتفعات والبيئات الخلابة في المملكة. وقد شهدت هذه المنطقة تنظيم إحدى الفعاليات المهمة التي كان لها دور محوري في تأسيس تحالف القهوة في المملكة.

ندوة فنون الطهي وسياحة الطعام

تكمن أهمية ندوة فنون الطهي وسياحة الطعام، التي تنظمها الهيئة السعودية لفنون الطهي، بدعم من وزارة الثقافة، في دورها المحوري في الحفاظ على ثقافة الطعام وتعزيزها في المملكة العربية السعودية، وقد وأتاحت هذه الندوة، التي أقيمت في أبها يومي 25 و26 فبراير 2024، فرصة فريدة من نوعها للتعرف على ثقافة الطعام المتنوعة في منطقة عسير والربط بينها وبين مجموعة من التجارب العالمية.

وقد جمعت الندوة خبراء صناعة الأغذية وعشاق الطهي وشركات السياحة لتدارس تقاليد الطهي المحلية والعالمية، مع عرض مجموعة من المنتجات الغذائية المحلية والترويج لسياحة الطعام. ومن خلال ورش العمل التفاعلية والكلمات الرئيسية والمناقشات المتعمقة، تمكن المشاركون في الندوة من استعراض النماذج المختلفة وتبادل الرؤى والأفكار حول التحديات والفرص المتنوعة في مجال سياحة الطعام.

ونجحت هذه الندوة في تعزيز سمعة عسير كوجهة بارزة لفنون الطهي، كما شجعت على إطلاق مجموعة من المبادرات لتعزيز التميز في فنون الطهي وتسليط الضوء على ثقافة الطعام والطهي المتميزة في المنطقة.

وقد نظمت هذه الندوة هيئة فنون الطهي، وتضمنت ورشة عمل لتحالف القهوة في سلو فوود، واستهدفت المنتجين المحليين، كما وضعت الأساس لتحالف القهوة السعودية. وقد تولى قيادة الورشة منسقو تحالف القهوة وهم: إيمانويل دوغيرا وسيلفيا روتا إلى جانب ماريو شيروتي، مدير الاستدامة في مجموعة لافاتزا (أحد الشركاء الرئيسيين في تحالف القهوة)، وبمساعدة أحمد زكي كامل من منظمة سلو فوود بالمملكة العربية السعودية، واستهدفت تسهيل سبل التعاون وتبادل المعرفة والخبرات بين منتجي القهوة.

“تمثل هذه المبادرة خطوة أولى نحو تأسيس تحالف القهوة في المملكة العربية السعودية، حيث جمعت بين أكثر من 30 من أصحاب المصلحة في مجال القهوة المستدامة من جميع المناطق الأربع المنتجة للقهوة في المملكة العربية السعودية، وسيركز نشاط تحالف القهوة في المملكة على تعزيز الممارسات المستدامة والترويج للقهوة السعودية على المنصات الوطنية والدولية. وسنبدأ بتدريب المزارعين المحليين والعمل على إنشاء أول مجتمع لتحالف القهوة في المملكة العربية السعودية، وسنقوم بضمه بعد ذلك إلى مجتمعات تحالف القهوة ودعوته لحضور المناسبات والفعاليات المختلفة، وسيكون أولها مؤتمر “عالم القهوة” في كوبنهاجن في يونيو 2024. ومن أجل تسليط الضوء على القهوة السعودية وثقافتها العريقة، ستركز أنشطة التحالف على تعزيز المعرفة بأنواع القهوة المحلية وخصائصها المميزة” – إيمانويل دوغيرا، منسق تحالف القهوة –

وبصفة عامة، يعد انطلاق أنشطة تحالف القهوة في المملكة العربية السعودية خطوة أخرى مهمة نحو تعزيز الممارسات الزراعية المستدامة وتشجيعها، والحفاظ على تقاليد الطهي، وتعزيز تراث الطعام المحلي، فمن خلال التعاون مع الجهات المعنية المختلفة، وعلى رأسها التعاون مع هيئة فنون الطهي، وتأسيس تحالف القهوة السعودية، ستواصل منظمة سلو فوود العمل على تحقيق هدفها الرئيسي المتمثل في إرساء نظام غذائي مستدام بيئيًا لضمان طعام طيب، ونظيف، وعادل للجميع.